13 سبتمبر، 2017

قصص وحكايات ( من أجل عيون هلا)

لم يكن عميد الركن محمد عبدوني يظن هو وزوجته أنهما سوف يتعلقان لهذه الدرجة بابنتهما هلا، والتي ولدت مختلفة، على الرغم من أن الله قد رزقهما بابنين آخرين، يشغل الأكبر منصب مهندس اتصالات ودرس الثاني الاتصالات في جامعة لوس أنجلوس، عندما اكتشف الأبوان أن ابنتهما الوحيدة والتي تبلغ من العمر الآن 38 سنة، لديها إعاقة ذهنية، قررت الأم وقتها أن تترك عملها كموظفة في أحد البنوك. ورغم صعوبة اتخاذ مثل هذه القرارات لأهمية العمل بالنسبة لامرأة تعيش في لبنان إلا إنها قررت أن تضحي بكل شئ من أجل أن تتفرغ لرعاية هلا.

يعترف العميد عبدوني بأنه واحد من ملايين الأسر التي يولد لها طفل لديه إعاقة ذهنية وهو أمر طبيعي وينطوي على حكمة لا يعلم مداها إلا الله، إلا أنه بدأ هو وزوجته مع هلا رحلة البحث عن طبيب نفسي ومؤسسة تهتم برعاية الأفراد ذوي الإعاقة الفكرية. الوضع لم يكن كما هو عليه الآن منذ 38 سنة. لم يكن هناك اهتمام بهذه الفئة كما الآن، لذا بدايةً باءت المحاولة بالفشل. لم يجد العميد عبدوني وزوجته إلا حضانة عادية يلحقان بها هلا والتي كانت قد بلغت سنواتها الخمس وبدأت تعاني من عدم قدرتها على التعامل مع أقرانها من الأطفال الأسوياء.

ولأن الإنسان مسيرا وليس مخيرا فقد حدث تغيير جذري في حياة أسرة العميد عبدوني ترك أثره على جميع أفراد الأسرة وفى مقدمتهم هلا، حيث اختير العميد عبدوني ليعمل ملحقاً عسكرياً لبلاده في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هذه بمثابة النقلة الكبرى في حياة هلا والتي فتحت صفحة جديدة من حياتها في مجتمع متقدم يحظى الأفراد ذوي الإعاقة الفكرية باهتمام خاص. قضت هلا عامين كاملين في أمريكا التحقت خلالها بمدرسة عادية تضم فصولا خاصة للمعاقين فكريا فتعلمت أشياء كثيرة عندها أدرك العميد ووزوجته التغيير الذي طرأ على ابنتهما، وعندما رجعت الأسرة إلى وطنها لبنان قررت الأم أن تلتحق بمجلس إدارة إحدى المؤسسات اللبنانية لرعاية ذوي الإعاقة الفكرية، كعضو فيه. وكانت هذه الجمعية هي الأولى التي تطبق فكرة وجود مدارس عادية تضم فصولاً خاصة بالأفراد ذوي الإعاقة الفكرية إذ استفادت الأم من العامين اللذين عاشتهما في الولايات المتحدة الامريكية لذا قررت نقل التجربة إلى لبنان.

ويعتبر عام 1990 عام التغيير في حياة هلا عندما التقى والدها بمحمد ناصر البطل اللبناني الأوليمبي والذي عشق تدريب اللاعبين ذوي الإعاقة الفكرية من خلال برنامج الأولمبياد الخاص اللبناني الذي كان ما زال في بداياته في ذلك الوقت، عندها دخلت هلا عالما أوسع مارست فيه الرياضة التي سببت النقلة الكبرى في حياتها.

إن الارتباط الشخصي الذي يربط العميد الركن محمد عبدوني بابنته هلا قوي جداً، لذا بدأ يسعى من أجلها إلى معرفة كل شيء عن الأولمبياد الخاص وما هو أثر الرياضة في حياة الأطفال والبالغين ذوي الاعاقة الفكرية. وأدرك منذ الوهلة الأولى أنه وجد ضالته المنشودة وأن تعبه النفسي هو وزوجته بسبب ابنتهما سوف ينتهي. بدأ يشارك هو شخصيا في أنشطة الأولمبياد الخاص عبر تقديمه مساعدات في كل مناسبة رياضية عن طريق الجيش اللبناني حيث يقوم بتوفير وسائل النقل والطعام والملاعب اللازمة التي تقام عليها المسابقات والألعاب .

عام 1991 وبعد عام واحد من التحاق هلا بعالم الأولمبياد الخاص، البالغة حينها من العمر 15 عاما، اعتبر هذا العام بمثابة ميلادا جديدا لها، تصفه قائلة: ” لقد استطعت من هذه اللحظة الشعور بأنني أستطيع الاعتماد على نفسي وأمتلك الثقة بقدراتي، وأكثر ما أسعدني أنني قضيت أوقاتا طيبة مع أصدقاء جمعتنا الرياضة وممارسة الألعاب المختلفة، يالها من لحظات سعيدة وفرحة”. ما حدث لهلا من تغير جذري في حياتها جعل العميد عبدوني أكثر تمسكا بالأولمبياد الخاص لذلك يسارع إلى المساعدة في إنجاح هذا النشاط لذا أصبح رئيسا للجنة الأسر في الأولمبياد الخاص اللبناني وعضو سابق في المجلس الاستشاري الإقليمي. ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل انضم عدد كبير من أفراد عائلة هلا للعمل كمتطوعين في الأولمبياد الخاص وذلك من أجل عيون هلا.

Share this: